فإن العلماء عرفوا الحياء فقالوا : إنه خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق، وروى عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : (( الحياء لا يأتي إلا بخير )) متفق عليه .
وقد عده الرسول شعبة من شعب الإيمان أي خصلة من خصاله فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: (( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ))متفق عليه.
وهذا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يصف لنا حال الرسول يقول: (( لرسول الله أشد حياء من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه )) متفق عليه .
ففي هذا الحديث دلالة على أن حي الضمير ونقي المعدن يظهر أثر تأثره في وجهه بعكس الصفيق البليد الذي لا تزيده الفواحش إلا بذاءة واجتراء على الله وعلى الناس .
وأسمى منازل الحياء وأكرمها الحياء من الله سبحانه، فنحن نطعم من خيره الذي رزقنا، ونتنفس من هوائه الذي أشاعه بيننا، ونمشي على أرضه التي ذللها لنا ودحاها، ونستظل بسمائه التي من غير عمد رفعها، والإنسان إذا قدم له أخوه الإنسان نعمة استحيى منه فكيف بهذه النعم العظام الضخام التي ضمتنا ولا غنى لنا عنها ؟.
ويكون الاستحياء – عباد الله – من الله حق الحياء بحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وذكر الموت والبلى، وألا يجدنا الله حيث نهانا وألا يفقدنا حيث أمرنا .
أما الحياء من الناس : فأن نعرف لأصحاب الحقوق حقوقهم ومنازلهم ، وليس من مسلم إلا وله حق، ألا وهو حق الإسلام فيعطى كل ذي حق حقه، فالصغير يجل من يكبره، وفي هذا يقول رسول الله : (( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم )) حديث حسن رواه أبو داود.
والمتعلم مع من يعلمونه وفي الحديث: ((تواضعوا لمن تعلمون منه )) رواه الطبراني ولا نعجب إذا سمعنا قول الرسول : (( الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر))حديث صحيح رواه الحاكم.
وإن مما ينذر برفع الحياء ما رأيناه إثر فوز منتخبنا من كثير من الشباب من صريخ وصفير وإطلاق لعنان منبهات السيارات ولعجلاتها تفحيطا وقياما بحركات بهلوانية جنونية آذت الركع السجد في مساجدهم، وأفزعت المرضى في مضاجعهم، وأقلقت الهجع في بيوتهم، وأخرت ذوي الحاجات عن حاجاتهم إذ آثروا السلامة بالبقاء في منازلهم.
وإنك لتعجب عندما ترى أربعين أو خمسين من الشباب يقفون وسط طريق السيارات لا يتحركون، يغنون ويرقصون وبعضهم شبه عار، ويترنحون طالبين من أصحاب السيارات مشاركتهم، وقد يؤذون من لا يستجيب لهم بإطلاق العبارات الفاحشة البذيئة أو بتأخيره عن المضي قدما في حاجته.
وإنك لتعجب كذلك حين ترى أربع أو خمس سيارات يسير بها أصحابها ببطء شديد مانعين غيرهم أن يتعداهم فتتزاحم السيارات من ورائهم، فيزهو هؤلاء ويفتخرون بما قدموا وصنعوا، والويل لك إن حاولت أن تتعداهم بعد إنطلاقهم مسرعين دون أن تؤدي ضريبة مرورك، ألا وهي إصدارك نغمة معينة بمنبه سيارتك، فإن لم تفعل تناوشوك ذات اليمين وذات اليسار وأفزعوا نساءك وأطفالك وحطموا أعصابك .
أما علم من يفعل هذا أن ترويع المسلم حرام ؟ أما علم أن في هذا إهدارا للباس الحياء ؟ أما سمع من تفحش في الكلام حديث رسول الله : ((الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاءة من الجفاء والجفاء في النار)) رواه الحاكم وصححه.
أما تذكروا (250) مليون مسلم يعانون الألم والجوع وسكرات الموت في أفريقيا إثر مجاعة عظيمة أكلت الأخضر واليابس ؟ أفلم يستمعوا إلى أنباء إبادة أسر كثيرة في أفغانستان ؟ هلا تفكروا في أولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين يئن جريحا تحت يهود وينتظر صلاح الدين من جديد؟!
ثارت دعابة في مجلس كان فيه صلاح الدين الأيوبي – رحمه الله – فضحك الجالسون إلا صلاح الدين فسألوه: لماذا لم تضحك؟ فأجاب : إنى لأستحي من الله أن أضحك وفي القدس صليبي واحد .
هلا نظر أولئك الشباب إلى أحوال المسلمين المتحينين في أمنهم ودينهم عن يمينهم وشمالهم ؟
إن الإسلام لا يمنعنا أن نفرح ولكن دون شطط أو سفه أوبطر أو إزالة للباس الحياء وترويع الآمنين، وأعيذ نفسي وكل من فعل هذه الأفعال أن نكون المعنيين بالحديث الذي يقول فيه النبي : (( إن الله إذا أراد أن يهلك عبدأ نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا، فإذا لم تلقه إلا مقيتا نزعت منه الأمانة فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا مخونا ، فإذا لم تلقه إلا خائنا مخونا نزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما ملعنا ، فإذا لم تلقه إلا رجيما ملعنا نزعت منه ربقة الإسلام))رواه ابن ماجة .
وقانا الله وإياكم فساد الحال وسوء المال.
|